الباحثين الكرام سوف يتم الانتقال الى المكتبة الرقمية بحلتها الجديدة خلال الاسبوعين القادمين
باب الحارة «مخلَّع»
الخلاصة
لم نسأل أنفسنا يوماً ولو ببراءة مصطنعة أو متخابثة: لماذا تنكص الدراما السورية إلى الوراء في ما تقدمه لنا عبر الشاشة الأرجوانية، وتحيلنا بواسطتها إلى الماضي المسكون بمكابدة السلطات المحلية والاستعمار الغاشم؟ كنا نفترش الوقت انتظاراً للمفاجآت التي سيكشفها لنا المسلسل عن الشباب المناهضين للاستبداد وقمع السلطات المحلية لهم، في كل حلقة يُصفّى أحدهم أو «يدك» في «الحبوس»، آخرهم كان الزعيم حلاق الحارة وطبيبها الشعبي «أبو عصام»، الذي تضاربت حوله الأقاويل، هذا الذي مجته الحبكة الدرامية كرهاً، على يد المخرج، فاهتزّ باب الحارة برمته حتى سقط أخيراً، لم تفلح كل محاولات الإنقاذ الفاشلة لإعادة الباب، فعباس النوري أو «أبو عصام» صرّح ذات يوم قائلاً: لن أعود إلى المسلسل إلا إذا عادت فلسطين، لم يكن تعجيزياً بقدر ما كان شرطاً صعباً في ظل الظروف الراهنة، فلو ربط عودته باسترجاع الأراضي السورية المحتلة فستكون المسألة أهون. المشاهد دفع ضريبة هذه المساومة، وبات حزيناً على بطل الحارة «الأبضاي أبو عصام». لم يفطن المشاهد إلى حزمة من الإشارات التي كان يكتنفها المسلسل، ولعل من أهمها ذلك الإسقاط التاريخي على قضايا سورية المعاصرة بحبكة درامية مأمونة الجانب، كما أبرز الشخصية السورية المتوارية خلف سنوات من المصادرة، وكأن المسلسل يشي بحراك وشيك الحدوث. المشاهد السعودي مثلاً يتابع بحالة من الطمأنينة والاستقرار، الماضي بالنسبة إليه معادل موضوعي للحاضر، ليس بينهما ثارات وغارات، فهو بناء تراكمي كمي ومعنوي. السوريون يقرؤون حاضرهم بدلالات تاريخهم الموجع، فحماة التي قصفتها الدبابات والمروحيات في فبراير 1982 لم تكشط من الذاكرة بعد، باب الحارة الذي دلق على مصراعيه أعاد للسورين الماضي وتبعاته الأليمة، وتاقت أرواحهم لنوع من البطولات للخلاص من القمع والاستبداد، المسلسل لم يقدم سوى لبطولة ابن الشارع العادي ومن خلفه «الأبضايات» أصحاب القبضات القوية، والشوارب المفتولة، والأعين القادحة بالشرر المستطير. باب الحارة ذكّرهم بأن الاستعباد مهما طال أمده فسيحرك «الأبضايات» للخروج عبر تلافيف الحارة، ومن بوابته الواسعة إلى الساحات والميادين، هناك يشخص أبطال المسلسل الحقيقيون مجتلدين على أرض الواقع، بمطالب واضحة ومشروعة، أما نحن فبتنا قابعين أمام الشاشة بلا متعة، بل بغصّات تمتلئ بها حلوقنا، وأبناء الحارات السورية يتساقطون عزّلاً من أي سلاح على أيدي القناصة المقنعين، ويداسون بالأحذية بلا إنسانية أو مروءة. ويوم خرج خادم الحرمين بحكمته المعهودة داعياً إلى تمثيل الحكمة وإيقاف حمام الدم، استبشرنا خيراً كعادتنا، فكلمة المملكة تبدو لنا سديدة وحاسمة، ولا تنطق تبعاً لأهواء أو أطماع معينة، بشهادة التاريخ الذي يدون مواقف كثيرة لا مماراة فيها ولا خلاف، فالمملكة العربية السعودية، لا تشخصن القضايا ولا تبحث عن مكان دولي صغير على مقاس حقيبة «سمسونايت» مليئة بالدولارات للمفاوضة أو المقايضة، فمكانتها محجوزة منذ تأسيسها ليس بالمال أو الواسطة؛ بل بثقل حقيقي تجسده كل القضايا الإقليمية والدولية التي انحلت عقدها بإدارة سعودية متمكنة، فأمام كلمة خادم الحرمين الشريفين، لا طريق للقيادة السورية سوى الإنصات إلى دعوته، والإذعان لصوت العقل والحكمة، قبل أن يسقط الباب الأكبر فتتلاحق الأبواب الصغرى على إثره، وتطأها الأقدام، ويخلدها التاريخ لسخريات الدراما السورية المقبلة. maz4u@hotmail.com <
الرابط
باب الحارة «مخلَّع»المصدر-الناشر
صحيفة الحياة الطبعة السعوديةرقم التسجيلة
712785النوع
مقالرقم الاصدار - العدد
17666المؤلف
محمد المزينيتاريخ النشر
20110817الدول - الاماكن
السعوديةدار العلوم
فلسطين
الرياض - السعودية
القدس - فلسطين
دمشق - سوريا