الباحثين الكرام سوف يتم الانتقال الى المكتبة الرقمية بحلتها الجديدة خلال الاسبوعين القادمين
استبداد أكاديمي
الخلاصة
من أهم العناصر المحفزة للنشاط البحثي في أي جامعة عريقة الفريق البحثي الداعم لأعضاء هيئة التدريس. وهؤلاء يتكونون عادة من طلبة الدكتوراة والماجستير الذين تتسابق الجامعات على توظيف أفضلهم أملاً في تحقيق إضافات علمية من خلالهم ومن أفكارهم الخلاقة التي تكون عادة الغذاء لأفكار عضو هيئة التدريس. فبعد فترة من الزمن تجد الجامعة أن البحث العلمي في أي مجال من المجالات العلمية قد اتخذ نمطاً معيناً، ما يتطلب ضخ دماء جديدة لتغيير هذا النمط والسير به في اتجاه جديد. في جامعاتنا نفتقد هذه الرؤية, حيث ينظر إلى طالب الدراسات العليا نظرة دونية ويمارس عليه الاستبداد الأكاديمي بقتل أفكاره من قبل اللجان المختصة بإجازة مواضيع رسائل الدكتوراة والماجستير لسبب وحيد فقط هو عدم إلمام أعضاء هيئة التدريس بهذا الموضوع. وبينما يكون عدم إلمام الأستاذ الجامعي في الجامعات الغربية سبباً وجيهاً لقبول موضوع البحث لأنه يتطرق إلى فكرة جديدة تعطي الأستاذ فرصة لتعلم المزيد في مجاله، يكون ذلك مبرراً لقتل هذه الأفكار الخلاقة في جامعاتنا. إن من الضروري أن تكون هناك علاقة متزنة بين طالب الدراسات العليا - والذي يمارس عمله البحثي في جامعاتنا بالمجان - وبين الأستاذ الجامعي الذي يجب أن تقتصر مهمته الأساسية على التأكد من التزام البحث بمنهج البحث العلمي والتأكد من توصله إلى إضافة علمية مقبولة بما يكفل الحصول على الدرجة العلمية. لكن الواقع وتجارب الكثير من الزملاء الذي يكملون دراساتهم العليا في المملكة تحكي قصصاً كثيرة من الممارسات استبدادية لمن يتولون الإشراف على برامج الدراسات العليا في مختلف الأقسام العلمية التي كانت سبباً رئيساً في قتل أحلام الكثيرين وتعطيل مسيرتهم التعليمية. البحث العلمي في الجامعات الغربية جهد مشترك بين الأستاذ والطالب لذلك تجد فيه أن العلاقة بينهما تتسم بالزمالة أكثر من الهرمية التي تميز العلاقة بين الأستاذ الجامعي وطالب الدراسات العليا في جامعاتنا. وبروز نتائج إيجابية لهذا البحث ستنعكس آثارها الإيجابية ليس على الطالب فقط، بل على الجميع: الطالب والمشرف والقسم والجامعة ككل. وهذه العلاقة المتزنة لا تقتصر على المشرف والطالب ولكنها في مرحلة متقدمة من البحث تنتقل إلى العلاقة بين الطالب ولجنة المناقشة التي تتشكل قبل وقت طويل وتعمل جنباً إلى جنب مع الطالب للتأكد من الجودة العلمية للبحث. لذلك تجد أن هناك جواً مختلفاً للمناقشة النهائية لرسائل الدكتوراة والماجستير بالنسبة لطالب الدراسات العليا في الجامعات الغربية لا يشابه بأي حال مثيله في الجامعات المحلية. ففي حين يجد أعضاء لجنة المناقشة الفرصة لإبداء ملاحظات نهائية أو استفسارات معينة بخصوص البحث انطلاقا من مبدأ أن معرفة الطالب تتجاوز معرفتهم بتفاصيل ودقائق البحث، يمارس أعضاء لجان المناقشة محلياً دوراً استفزازيا للباحث خلال المناقشة قد يصل إلى حد التجريح الشخصي, وكأن الهدف الأساسي هو الانتقاص من عمل الباحث أو من قدراته العلمية. إن هناك جهداً مشكوراً سواءً من المسؤولين في وزارة التعليم العالي أو في الجامعات المحلية للتأكيد على أهمية أن تضطلع الجامعات السعودية بدور أكبر في مجال البحث العلمي انطلاقا من الرؤية الحكيمة التي قررها خادم الحرمين الشريفين التي تبلورت في تأسيسه لجامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا. لكني أرى أن تلك الجهود تتجاهل بشكل كبير الدور المهم الذي يمثله طلبة الدراسات العليا في الجامعات لتقدم البحث العلمي. ما يعني أن أي جهد لتحفيز البحث العلمي سيقتصر على الأستاذ الجامعي الذي تظل قدرته على الإضافة العلمية بشكل فردي محدودة. إذ يمكن أن يمثل طلبة الدراسات العليا في الجامعات السعودية حلقة الوصل المفقودة بين القطاعين العام والخاص - أو ما يطلق عليه بشكل عام الصناعة بمفهومها الواسع الإنتاجي والخدمي – وبين القطاع الأكاديمي بما يسهم في تحقيق التقارب المفقود بين الصناعة والجامعة. ومن هذا المنطلق فيجب أن يكون هناك برنامج محدد لاستقطاب طلبة الدراسات العليا سواءً من القطاعين العام والخاص لإكمال دراساتهم العليا في الجامعات المحلية بما يثري عملية البحث العلمي التطبيقي التي سيكون لها أثر إيجابي في ربط قطاع الصناعة بالقطاع الأكاديمي. هذا الجهد يجب أن يدعم أيضاً بالعمل على إحداث تغيير جذري للرؤية التي يتعامل بها الأستاذ الجامعي مع طالب الدراسات العليا بما يكفل تعميم الفائدة على الجميع: الطالب، المشرف الأكاديمي، الجامعة، والوطن.
الرابط
استبداد أكاديميالمصدر-الناشر
صحيفة الاقتصاديةرقم التسجيلة
686051النوع
تقريررقم الاصدار - العدد
5542تاريخ النشر
20081213الدول - الاماكن
السعوديةالرياض - السعودية