الباحثين الكرام سوف يتم الانتقال الى المكتبة الرقمية بحلتها الجديدة خلال الاسبوعين القادمين
الحاضر الوطني الذي يبني المستقبل
الخلاصة
الحاضر الوطني الذي يبني المستقبليحيى الأميرفي التاريخ العربي الحديث يمكن اعتبار الدولة السعودية أبرز وأهم تجارب التأسيس والبناء، ذلك أن محور قيام الدولة هو الوحدة، والوحدة هي البديل الإنساني العالمي لمبررات قيام الكيانات الحديثة، ولقد كانت وحدة المملكة العربية السعودية هي حجر الزاوية في مشروع قيام الدولة، فالملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن طيب الله ثراه، كان ينشد مشروعا وحدويا واعيا ولم يكن يطلب ملكا أو رئاسة، وفي قصة التأسيس وبطولاته ما يشير إلى ذلك الوعي لديه بأن مشروعه يتمثل في قيام دولة، والجزيرة العربية التي كانت مسرحا وهدفا للتأسيس كانت تتميز بالتنوع والاختلاف جغرافيا وثقافيا ومذهبيا، وهو ما يعطي لقيمة الوحدة أبعادها كاملة، فالوحدة لا تكون إلا بإيجاد مظلة انتماء كبرى تتعايش تحتها كل الانتماءات، بل ويتحول الانتماء الوطني إلى قيمة تسمو فوق الانتماءات الصغرى، وفي ذات الوقت تحافظ عليها لتمثل لها مادة للغنى والتنوع، فالوطن الواحد وأبناؤه متنوعون ومتعددون، وتنوعهم ذلك هو من أبرز عوامل الثراء الوطني. أبرز ما قدمته المملكة العربية السعودية في تجربتها الرائدة في العصر الحديث أنها مثلت قيام دولة حديثة في مجتمع تقليدي، استطاعت الدولة من خلال عملية بناء واعية للمؤسسات أن تعيد بناء حالة معرفية تحول فيها الجميع إلى بناة للدولة وشركاء في نهضتها وأمنها، مع نجاح سعودي هائل في إقامة توازن بين الدولة الحديثة بمفهومها الفعلي وبين المقدرات الدينية والاجتماعية في المملكة، ولأن الدولة الحديثة شريكة للعالم في كل جوانبه، فقد جعلت المملكة من تراثها الديني قيمة شراكة مع العالم، تقدم من خلالها نموذجا للتعايش والسلام والتأكيد على أنها ليست دولة أيديولوجيا ولكنها دولة حضارة دينية واجتماعية. ولعل في مبادرة حوار الأديان التي انطلقت من المملكة العربية السعودية المثال الأبرز على تحويل المعطيات والقيم الدينية التي تمثل الثقافة السعودية إلى عوامل تواصل وتعايش مع العالم بمختلف ثقافاته وأديانه وحضاراته. كل السعوديين الآن يعيشون وحدة مصير ليست مرتبطة بمناطقهم ولا بقبائلهم ولكنها مرتبطة بمصيرهم الوطني الواحد الذي تتمثل عوامل قيامه ونهضته في كل مقومات الدولة من استقرار وأمن واقتصاد وازدهار. كل مرحلة من مراحل المملكة العربية السعودية، ومثلما تمثل امتدادا للفترة السابقة لها، تمثل في الوقت ذاته انطلاقا لمرحلة جديدة تبعا للتطورات وما تستلزمه المراحل العالمية، ذلك أن المملكة مؤثرة جدا في حركة العالم ومتأثرة بها كذلك، والسنوات الأخيرة التي مرت بالعالم كانت مكتظة بمختلف التحولات الاقتصادية والسياسية والحضارية، وهو ما قامت معه المملكة بحزمة من الإجراءات الواعية أدارها وبكل اقتدار خادم الحرمين الشريفين واستطاع من خلالها أن يقدم المملكة العربية السعودية نموذجا حيا للتفاعل مع العالم. لقد مثل مشروع الملك عبدالله للابتعاث الخارجي حدثا متميزا على مستوى انتقال السعوديين من التلقي المجرد للعالم علما ومعرفة إلى مستوى التلقي التفاعلي الذي يسهم في جعلهم جزءا من هذا العالم، إضافة إلى كونه زراعة آنية لمستقبل الكوادر الوطنية التي لن يكون لها أن تبني وطنا حديثا إلا من خلال أفراد يحملون علما ومعرفة حديثة، وما حدث من نقلات ومشروعات اقتصادية استثمرت الرخاء القائم في الحاضر لتحافظ على رخاء المستقبل. هذا التفاعل مع العالم لا يمثل توجها حقيقيا ومتنوعا، وقد شاهدنا كيف استقبل العالم مبادرة خادم الحرمين الشريفين لحوار الحضارات الذي توجه مؤخرا بإطلاق مركز الملك عبدالله العالمي للحوار، ليكرس بذلك قيمة لا تهم المملكة وحدها، بل تقدم نموذجا للتفاعل الإسلامي مع الحضارات العالمية وتبنيا واقعيا لقيم الحوار والتعايش والسلام . المشروع الكبير المتمثل في التوسعة الضخمة للحرمين الشريفين ومثلما هو دليل على إيقاع التنمية وشمولها، هو أيضا تجسيد للمسؤولية التاريخية التي تعيشها وتنهض بها المملكة العربية السعودية في توفير كل عوامل الدعم للمسلمين وامتنان لله تعالى الذي شرف هذه البلاد بهذه القيمة الإسلامية الكبرى. كل ما نعيشه اليوم واقعا، هو خطوات حقيقية من أجل المستقبل، والعمل المتواصل اليوم في حياتنا السعودية يهدف لتحقيق النسب الأعلى من الرفاه والاستقرار وتحقيق سبل العيش الكريم، بل والتعامل بحزم مع الملفات التي ما زالت تمثل عوائق أمام اكتمال طموح المواطن ووصوله إلى كل عوامل الأمان المعيشي، والقرارات الملكية الأخيرة التي تناولت مختلف الجوانب المؤثرة في حياة الإنسان السعودي، تكشف التوجه الواضح الذي يؤكد محورية المواطن في كل ما تقوم به الدولة. إن أفضل الاستثمار الفعلي للحاضر يتركز حقا في كونه بوابة للمستقبل، ولرفاه أجياله ومستقبلهم وعلاقتهم بالعالم، وهو ما نعيشه الآن في كل ما يحيط بنا.
المصدر-الناشر
صحيفة الوطنرقم التسجيلة
758931النوع
مقالرقم الاصدار - العدد
4011الموضوعات
الابتعاثالتخطيط الاقتصادي
الجامعات والكليات
المنح الدراسية
برنامج خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز للابتعاث الخارجي
الهيئات
برنامج خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله للإبتعاث الخارجي - السعوديةمركز الملك عبدالله العالمي للحوار - السعودية
تاريخ النشر
20110923الدول - الاماكن
السعوديةالعالم العربي
الرياض - السعودية